الشهيد القسامي / شادي حافظ محمد أبو عامر
القسام – خاص :
شهيدٌ عَرِف طريق ربه، شدّه الحنين للقاءِ فلبى النداء، حَزم أمتعته وباين الدنيا ثلاثًا غير مكترث لمال أو مُتحسر على جمال، اشترى “عليين” الخلود بدنيا الفنّاء مُقبِلا غير مُدبر، راوِيًا الأرض بدمائه الطاهرة وعطره الزكي يسقى عطش “عبسان الكبيرة” شرق محافظة خان يونس، انه ابنها الشهيد “شادي أبو عامر” _27 عامًا_ الذي كنّاه أصحابه “أبا صهيب”، ذاك الرجل القيادي في جهاده، المدلل بين أهله وإخوانه.
نشأة الفارس
أزهر مُحياه في التاسع من تموز للعام 1987م في مدينةِ خان يونُس التي تباركت بقدومه البهيّ، يقول والده: “شادي أكثر المحبوبين بين إخوانه في البيت لشدّة طاعته لنا وهو الذي يُشار إلى سمو أخلاقه بالبنان وإني لأرجو أن يكون محمودا في السماء كما هو حاله في الأرض”، وعُرِف بحبه لأقرانه وقربه من جيرانه فقد كان بمثابة الذراع الأيمن لكل من طلبه في أمر وحاجة، صاحِب نخوة وطاعة لا تُقارن، ويقول ابن عمه ” كان شادي يوقظنا لصلاة الفجر دائماً أثناء ذهابه للمسجد ” حتى أن مؤذن المسجد نفسه ذكر أن شادي كان دائماً يوقظه للأذان والإقامة .
وكان “أبو عامر” من طلابِ مدرسة “عبسان الأساسية للبنين” في الابتدائية المثابرين النشيطين المُحافظين على الدوام المدرسيّ ولم يكن يتغيب بلا سببٍ أو عُذر، وكان في صفوف طلاب الإعدادية والثانوية متميزًا ذو مسمع طيّب بين زملاء فصله يتشارك معهم الدراسة والجِد والاجتهاد وينهلون من دروب العِلم عامًا بعد عام.
في ركب الدعوة
تربى “شادي أبو عامر” على يد جيل مؤمن وورع في مسجد أبو بكر الصديق وثم مسجد “ذو النورين” والتقى بأسرة المسجد وهو لم يزل فتى أخضر العود لم يتجاوز السابعة عشر وقد كان مُميزا بالتزامه بالصلوات الخمس منذ نعومة أظافره ويَهِم للصلاةِ بحرصٍ شديد، ولم يكتفِ الشهيد بأداءِ الصلوات الخمس فحسب بل كان من الفتيان السباقين لحضور الجلسات الدينية والندوات والدروس.
وما لبث غير كثير حتى التحق بالإخوان المسلمين وكان يُشارك في المسيرات التي تنظمها حركة المقاومة الإسلامية حماس والمهرجانات وزفاف الشهداء لمثواهم الأخير، وحافظ الشهيد على التزامه المتواصل بالأسرة الدعوية فقد كان ينجز الأعمال الموكلة إليه بسرية وعمل بإتقان دون كللٍ أو ملل، كما تميز بحضوره الممتع وسمعته الطيبة كريح مسك تسبقه أينما هلَّ أو حلّ وخلقه الطيب ولذلك وتيمناً به فقد اسما اقاربه ابنائهم باسم الشهيد ” شادي ” لعهم يصبحون مثله عندما يكبرون صادقين حسنة أخلاقهم ومجاهدين على نفس الدرب، وايضا من شيم شادي الكرم والتصدق كان دائماً يتصدق حتى ولو لم يكن معه شيء طبق قول الله تعال ” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ” محباً كريماً لأصحابه .
عمله الجهادي
التحق شادي بالعمل الجهادي المُقاوِم مُشهِرا سيف الحق في وجه الباطل يواصل عمله على أكمل وجه دون أدنى تقصير، وجاء انضمامه لكتائب القسام في العام 2007م، فقد كان شغوفًا بالجهاد في سبيل الله وشديد الرغبة عن محبةٍ تامة في الرباط على تخوم الوطن ويقوم بالأعمالِ الجهادية.
فهو من رجال وحدة الأنفاق في كتائب القسام الذين عملوا في ظلمات الليالي طمعًا في انبثاق فجر الحرية يومًا لا تهمهم المتاعب ولا الجهد حيث ضحوا بدمائهم وعرقهم وهم يحفرون الأنفاق مترا تلو المتر، يجابهون بهذه الأنفاق العدو الغاشم الذي تمادى كثيراً في قتل أبناء الشعب الفلسطيني، اختار العمل في هذه الوحدة لتكون له بصمت عز وشموخ، كيف لا ؟؟ وهذه الأنفاق قد أذاقت العدو ويلات العذاب، هذه الوحدة كانت ومازال ابطالها يضحون بدمائهم، شعارهم ” وعجلنا اليك ربي لترضى “.
التحق شهيدنا بوحدة القنص في كتائب القسام وقد أبلى بلاءً حسنا حيث تميز بحرفية الرماية ودقة الإصابة لهدفه.
عُرِف بين أقرانه واخوانه المقاومين بصفاته الحميدة وخصاله الحسنة التي يتسم بها الشهداء “أحباب الله” وقد كان كتومًا لأي عملٍ يقومون به ويبتغون وجهة الله الكريم المتعال، كما امتاز بقدرته العالية على “القنص” فكان معطاءً مُخلِصًا في عمله يقوم به باستعداد تام وتفاني متكامل لا يبتغي من وراء ذلك إلا إرضاء وجهه الكريم.
يُخبرنا حافظ أبو عامر “والد الشهيد” عن ثمة ايحاءات تجلّت على ابنه شادي مع دنو موعد شهادته قائلًا: “عندما كان شادي يعزم على الخروج من البيت ونسأله عن وجهته فكان يأتي بالجواب الفوري: (في سبيل الله) فهو تمنى شهادة يلقى فيها رب العزة فيقبله ربه قبول حسن”، وبذلك ترجل الفارس المِقدام عن جواده للقاء الحبيب في الرابع والعشرين من تموز لعام 2014م خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة .
كرامات الشهيد
يروي أحد رفاقه المجاهدين ” أن الشهيد شادي كان يهاتفني قبل عشرة دقائق من استشهاده قائلا لي متى سوف تتزوج؟؟ فقلت سوف اتزوج من الحور العين ان شاء الله فأجاب الشهيد شادي قائلاً بل أنا سوف أسبقك وأتزوج من الحور العين ” .
في ذلك التاريخ كان شادي كامن في أحد الكمائن المتقدمة في منطقة عبسان الكبيرة شرق محافظة خان يونس ينتظر الآليات الصهيونية برفقة رفيق دربه الشهيد المجاهد ماهر أبو دراز حيث باغتتهم طائرة حربية من نوع أف 16 وقصفت الكمين الذي كانوا يتحصنون فيه مما أدي لاستشهادهم، وما إن اُستشهِد حتى بدأت الكرامات تهل على ذويه ومنها أنه عُثِر على جثته كاملة بعد مرور أسبوع على استشهاده في تموز الحارق وقد حباه الله بتلك الكرامة وبهذا يحتبي عباده المؤمنين.
رحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته… مع النبيين والصدقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.