الشهيد المجاهد: نور الدين العكر

الإعلام الحربي _ خاص

في فلسطين معادلة التضحية تختلف ، وحدها المقاومة من تصنع رجلاً وبندقية ، كأن السبعة عشر ربيعا كفيلة بصناعة الشهداء هكذا يشتعل الموت في أرواحهم ينتفضون كما السنبلة حين الحصاد يرغبون بالصفوف الأولى كما القادة ، لكن الدم حين يسقط في ابريل يشهد كل ذلك فيزهر أقحوان بنكهة الشهداء فلا ينمو ولا يكبر إلا بهم وكأن حكاية الأرض تتلخص بحكاية فارس وبندقية ودم مسفوح على جبال العزة وشاحا وهوية.

” نور الدين العكر” وكأن من اسمه قد صبغ حُسنه للوطنِ وعماده يبتسم حين خروجه لساحات الشهادة فلا يسكن قلب والدته سوى حديث الجنة والشهادة وكأنه بلسماً لروح خنساوات فلسطين حينَ الوداع الأخيرِ يكتمل.

بزوغ الفجر
في منزل تفوح به رائحة الوطن المسكونة بالنِّضال كان الشهيد “نور الدين خليل العكر” في التاسع من مايو لعام 1992 على موعد مع الحياة لعائلةٍ صابرة تتكون من شقيقة واحدة وثلاث أشقَّاء.

درس الشهيد المرحلتين الابتدائية والإعدادية بمدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ثم التحق بدراسة المرحلة الثانوية بمدرسة شهداء رفح لكِنَّ رغبته بالانخراط في الجانب المقاوم حال دون إكمال دراسته.

الزاهد في الدنيا
تميز الشهيد بصفات تميزه عن غيره وكأن الصفات الجميلة اجتمعت بروح “نور الدين” الباحث عن عطر الشهادة منذ صغره حيث مواظبته على الصلاة والصيام وحفظ وترتيل القرآن إضافة لصلة ِ أرحامه وزيارة أعمامه وأقرباءه، وأخلاقه العالية وأدبه وتواضعه حيث كان محبوبا بين أًصدقاءه وعائلته مطيعاً لوالديه يتَّصف بالشهامة ونشيطا في كل المجالات حتى كانت تستغربُ والدته من زهده في الدنيا وبراءة شبابه كما وتميز بالصدق والكرم وحب الخير لدرجة أنه كان ينقل الماء ويتسابق لحملها لجيرانه.

وتقول والدة الشهيد “نور الدين العكر” أنها سمعت جيرانها يتحدثون عنه وقت الحرب الأخيرة حيث أنه علم بوجود عائلة ٍهُدم نصف منزلها وكانت بحاجة للماء وفي بضعِ دقائق كان واقفاً في نصف الشَّارع يحمِل الماء لهم.

رحلته الجهادية
لم تكن سنوات حياته الأولى ومشاهد الموت التي كان يراقبها في العاشرة ِمن عمره إبان انتفاضة الأقصى وما سبقها من حديث جدِّه ووالده عن حرب حزيران 1967 والانتفاضة الأولى سوى دافعا للشهيد المجاهد ” نور الدين” بأن يبحث عن دوره ومساندة الوطن والدِّفاع عن القضيَّة بكل ما يملك وعلى الرغم من صغر سنِّه إلا أنه كان أكبر من عمره حيث يتابع دروس الدعوة ويرابط على ثغور قطاع غزة في ساعات الليل حتَّى بدأت حكايته وطريق الَّشهادة.

في ساعات المساء الأولى وبعد الفجر يستقبل المرابطين بداخل المسجد بعدما يمطرون المحتل بصواريخهم وعبوات الآربي جي والزجاجات الحارقة حتَّى صارت الشَّهادة والمقاومة أحب إليه من نفسه ومن الدنيا.

ويسجل لشهيدنا المجاهد “نور الدين العكر” مشاركته اخوانه المجاهدين في صد التوغلات الصهيونية شرق رفح، ويسجل له كذلك مشاركته في الرباط على الثغور، ومشاركته الفاعلة في معركة البنيان المرصوص التي ارتقى فيها شهيداً.

موعد مع الرحيل
في الثالث من أغسطس/ آب لعام 2014 من مساء الجمعة وبعد مكوثه في منزله على الخط الحدودي بمنطقة حي السلام بمدينة ِرفح بعدما رفض الخروج مع العائلة حين اشتداد القصف ظلَّ بصحبة رفاقه من مجاهدي سرايا القدس يبحثون عن الحياة في فوَّهة البُندُقِيَّة وبعد انجاز مهمَّتِه وأثناء العودة كان على موعد مع الرحيل للجنان حيث استهدف بالقرب من منزله كيفما تمنَّى وأحبَّ أن يلقى الله حتَّى وصل خبر استشهاده لأهله صباح يوم السبت.

عن كراماته تقول شقيقته الوحيدة أنَّها لم تتمكَّن من وداعه وحين لحقت بجنازته كانت سريعة لدرجة أنَّها بذلت جهدها لتصِل عليه حينها دعت بأن يلتقي بالخلفاء الراشدين في مقعد صدق حتَّى رأته بعد يومين يُبشِّرُها بمكانتِه وأنُّه الآن يتنعَّمُ بخير الجّنة وبرفقة الخلفاء كما دعت له.

“نور الدين” بجسده أراد البحث عن حياة الشهداء الشرفاء ليلتقي بأحبَّته ممَّن سبقوه فتتزين الجنة بهم وبأسمائهم.