الشهيد عدي صلاح

جسده بارد جداً، وجهه أصفر وباهت، حين سقطت دمعة من عيوني على خده وأنا أحضنه بقوة تخيلت أن يعود الدفء لجسد ابني البكر، تخيلت أن تعود إليه الابتسامة التي كانت ترتسم على شفتيه عندما ودعني فجراً وخرج، لكن جسده ظل بارداً، ولم تكفي الدموع لتدفئته، ولم يحمه حضني هذه المرة”.

هكذا وصف والد الشهيد عدي صلاح (19 عاماً)، كيف رأى جسد ولده، وكيف ودعه في ثلاجة الموتى قبل أن يسحبه أقرباؤه من بين يديه ويرجعونه إلى داخل الثلاجة .

وسط ساحة المستشفى الحكومي في جنين كان طراد صلاح والد الفتى الشهيد عدي صلاح يقول لمن تواجد معه من أقاربه، إنه لن يستطيع العودة إلى البيت من دون عدي “مش متخيل البيت بدونه.. مش متخيله”.

ولد عدي بعد اعتقال والده في سجون الاحتلال بسبعة أشهر، خطى أولى خطواته من دون والده، قال كلمة بابا لصورته المعلقة على حائط المنزل، ولما خرج والده من السجن كان عدي يستعد لدخول الروضة بعمر الثلاث سنوات .

“قطعوا عليه حياته، وقطعوا علي أحلامي برؤيته يكبر ويستقر”، يقول طراد صلاح .

في هذه الأثناء كان الشبان يتجهزون في ساحة المستشفى لبدء جنازة الشهيد عدي من الثلاجة مروراً بشوارع مدينة جنين وصولاً لمنزله في بلدة كفر دان شمال غرب جنين.

“لا يوجد أمان لابني أو لغيره من الشباب، من يخرج من منزله قد لا يعود، كل الشباب كما عدي من الممكن أن يستشهدوا، هذا حال كل فلسطين”، يقول والد الشهيد.

حمل أصدقاء عدي نعشه وتحركوا باتجاه شوارع جنين، وواصل الأب وصف ابنه: “عدي مرح جداً، يحب المزاح والضحك، الضحكة لا تفارق وجهه، اسألوا جميع أصدقائه عنه”.

وسط بلدة كفران انتظر المواطنون وصول جنازة الشهيد، وعند اقتراب موكب التشييع تحرك الجميع للحاق به.

عم الشهيد إياد صلاح روى كيف استشهد ابن أخيه فجر اليوم في ساحة البلدة: ” دخل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند الرابعة فجراً، داهموا بيوت سكان البلدة، نزل الشبان إلى الشوارع. رأيته وهو يغلق باب المنزل، سألته إلى أين تذهب، قال لأرى ما يحدث ثم ضحك وغاب عن ناظري”.

بعد دقائق قليلة أطلق أحد القناصة المعتلين أحد المنازل الرصاص باتجاه عدي فأصابه في البطن، وحين صرخ الشبان لحضور سيارة الإسعاف سمعوا صوت الرصاص مرة أخرى، تابع صلاح.

“كانت المسافة بحدود 15 متراً فقط، أصابوه في بطنه، وحين طلبنا الاسعاف أصابوه مرة أخرى في الرأس واستمر إطلاق النار، ولم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه، عندها سحبه أحد الشبان ليوصله للإسعاف”.

في ساحة منزل الشهيد عدي اجتمعت نساء البلدة لمواساة أمه، كان صوت البكاء يسمع من بوابة المنزل الحديدية، تقدم النعش محمولا على الأكتاف، تحركت قريبات الشهيد لرؤيته للمرة الأخيرة، ووقفت أمه وسط الساحة لاستقباله، علا صوت البكاء حين وضع جثمان عدي على الأرض أمام والدته وشقيقتيه، قبلته والدته وسألته: “لماذا تركتني”، ثم اختفى صوتها وراء النحيب.

حمل النعش مرة أخرى وخرج من بوابة المنزل الحديدية، لكن أمه لحقت به ومشت خلف الجنازة.