الشهيد محمد نصرالله (المدهون)

بتاريخ 25 ديسمبر 1996م، بزغ نور شهيدنا المجاهد محمد نصر الله لأسرة مجاهدة تتكون من الأب والأم و8 من الأبناء، وشاء القدر أن يكون محمد هو الثالث بين إخوته، تعود جذورها لمدينة المجدل المحتلة عام 48.

فتربى في كنف تلك الأسرة التي عاشت صور الوجع والقهر والظلم من الاحتلال، وحرصت على تنشئة أبنائها على حب فلسطين ومقاومة الاحتلال بكافة أشكاله؛ لينشأ شهيدنا محمد بين أزقة مخيم جباليا وعيناه ترنوا إلى الأراضي المحتلة، وتحقيق حلم العودة إلى بلده الأصلية “المجدل”.

تلقى شهيدنا تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس المخيم، لتبدأ بعدها رحلة جديدة من حياته بالانضمام إلى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وجناحها العسكري سرايا القدس.

يقول والد الشهيد محمد، خلال حديثه مع موقع السرايا، إن نجله منذ صغره كان يحب رياضة كرة القدم وكمال الأجسام، كما برز طموحه في دراسته، ويتفوق في مقاومة ومقارعة العدو الصهيوني، فكان مهتماً بدراسة تاريخ فلسطين وتاريخ الثورة الفلسطينية.

أما عن صفاته وأخلاقه، فأوضحت والدة الشهيد محمد، أن ابنها تحلى بالأخلاق الحميدة، وكان من الشباب الملتزم بالصلاة، وقراءة القرآن الكريم، وحضور جلسات الذكر والعلم في المساجد، وكان أقرب الأبناء إليها، فهو دائم الحضور عندها، ويساعدها في كل الأعمال.

وتتابع الوالدة الصابرة، بدموع الحنين والشوق:” لم تلهِ محمد الدنيا عن بر الوالدين، فكان حاضراً في الألم والوجع والفرح والسرور، لم يغب يوماً عن حضن أمه، كان نعم الابن البار لوالديه، مصداقاً لقول الله عز وجل: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”.

وتضيف:” كان محمد واصلاً لرحمه، عطوفاً على الصغار يحترم الكبار، ويود القريب والبعيد”.

وتكمل حديثها:” محمد كان شاباً استثنائياً ربطته علاقة قوية مع الجيران والأصدقاء والأقارب، لم أتلقى يوماً من الأيام شكوى على محمد؛ لأن تعامله كان بالأخلاق الإسلامية الممزوجة بالاحترام والحب والتقدير للغير، فكان الشاب الخدوم المساعد للأقارب والجيران في أفراحهم وأتراحهم”.

قصي أبو سخيلة صديق الشهيد محمد، بيَّن لموقع السرايا، أن للشهيد مواقف لا تنسى أو تسقط من الذاكرة لأنه كان نعم الأخ والصديق الذي لم يتوانَ للحظة واحدة عن مساعدة الأصحاب وتلبية طلباتهم، مؤكداً أنه كان نعم الصديق الذي يكتم السر، ويصون الأمانة، ومواقف كثيرة أوضحت أن الشهيد محمد كان صادقاً أميناً لم يخنها يوماً؛ لأنه تربى على الأخلاق الحميدة التي أوصى بها النبي -محمد صلَّ الله عليه وسلم-.

وأشار إلى أن الشهيد محمد كان يحدثنا عن الجهاد والمقاومة ومقارعة الاحتلال، وكان دائماً يوصي بالجهاد واحتضان المقاومة الفلسطينية، لذلك كان جميع أصدقائه فخورين به وبعمله المقاوم وبشهادته أيضاً.

وحول كيفية استقبال نبأ استشهاد محمد، قال:” كان خبر استشهاد محمد بمثابة صدمة كبيرة؛ لأنني فقدت أخاً وصديقاً لطالما كان بجانبي دائماً، واليوم فقدت سنداً لي بالحياة، وحتى هذه اللحظة ما زلت في حلم بأن محمد لم يمت”.

وحول الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أوضح والد الشهيد أن محمد كان ملتزماً دائماً بالصلاة وقراءة القرآن في المساجد، وأحب طريق الجهاد والمقاومة، فكان له ما تمنى عندما انتمى لحركة الجهاد الإسلامي منذ ريعان شبابه، وكنا داعمين له بهذا الانتماء ولم نعارض يوماً هذا الانتماء، لأننا عائلة تربت على حب فلسطين والجهاد والمقاومة ومقارعة العدو الصهيوني أينما حل على أرض فلسطين.

كما كان الشهيد حريصاً كل الحرص على القراءة والتمعن في كل كلمة كتبها الشهيد المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي، فزاد فيه حب الانتماء لهذه الحركة العظيمة التي تقدم قبل الجند قادتها، وكذلك انعكس على حديثه مع إخوته وعائلته الذي امتزج دوماً بالحديث عن الدكتور الشقاقي وكلماته الخالدة التي تلامس الواقع الفلسطيني، وكان متأثراً بفكر وكلام الدكتور الشقاقي -رحمة الله عليه-.

فمنذ ريعان شبابه، وفي العام 2010م التحق الشهيد المجاهد محمد نصر الله بمدرسة الإيمان والوعي والثورة، والتزم مع إخوانه المجاهدين بالصلاة وجلسات العلم، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وكان حريصاً على مشاركة إخوانه في حركة الجهاد الإسلامي بالفعاليات التي تنظمها سواء على مستوى إقليم الشمال أو الأقاليم المركزية.

ونظراً لالتزامه الكبير وأخلاقه العالية وتمتعه بالكتمان والسرية، اختير ليكون أحد مجاهدي سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وذلك في العام 2013م، ليكون أحد المجاهدين في وحدة المرابطين على الثغور بالقرب من السياج الزائل شمال وشرق المنطقة الشمالية لقطاع غزة.

وتلقى العديد من الدورات الجهادية العسكرية التي من شأنها أن ترفع وتطور من مستوى المجاهد في ميدان التضحية والفداء، بالإضافة إلى دورات عسكرية في الكوماندوز البحري، حيث عمل قبل استشهاده في الرصد البحري ضمن وحدة النخبة البحرية التابعة لسرايا القدس.

بعد اعتقال الشيخ القائد بسام السعدي، أعلنت سرايا القدس الاستنفار والجهوزية التامة؛ للرد على الجريمة التي ارتكبت في جنين بحق القائد السعدي والانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، كان الشهيد محمد المدهون ضمن الوحدات التي ترصد وتراقب تحركات الجيش الصهيوني في المناطق الشمالية لقطاع غزة، وإبلاغ قيادة سرايا القدس بكل جديد فيما يتعلق بالخط الزائل شمال القطاع.

وخلال عمل الشهيد في إحدى المراصد العسكرية باغتت قوات الاحتلال مراصد سرايا القدس فارتقى الشهيد محمد إلى العلا مقاما، خلال تأديته الواجب الحركي والوطني والديني، وهو يدافع ويحمي ثغراً من ثغور الوطن، وذلك بتاريخ 05/08/2022م خلال “معركة وحدة الساحات” التي خاضتها سرايا القدس ضد العدو الصهيوني، وقدمت فيها ثلة من قادتها ومجاهديها على طريق القدس والتحرير بعد حياة مباركة حافلة بالعطاء والجهاد والتضحية في سبيل الله.