القائد زياد أحمد خليل المدلل

في التاسع والعشرين من شهر مارس لعام 1987م، شهدت عائلة المدلل حالة من الفرح والسعادة بقدوم نجلها “زياد”، فتربّى في أكناف هذه العائلة الملتزمة والتي تعودُ جذورها إلى بلدة “البطاني الغربي” المحتلة منذ العام 1948م، كبُر وترعرع “زياد” على يد والده القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الطبيب أحمد المدلل”أبوطارق”، ليتجرع العزة والكرامة ويتعلم أسمى الأخلاق وأرفعها.


كانت البداية التي رسم فيها “زياد” أولى معالم جهاده، والتي تشهد له بالإخلاص والصدق وحب إخوانه وأصحابه، فكان مسجد الإمام “على بن أبي طالب” القريب من منزله، يشهد له في حلقات الذكر وتحفيظ القرآن الكريم وحضور الندوات وتجميع الشباب المسلم، وقد ترك “أبو أحمد” فيه بصماتٍ عظيمة نظراً لمعاملته الحسنة، وصدقه ونشاطه الملحوظ والكبير فيه.


درس “زياد” الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، وانتقل للمرحلة الثانوية بمدرسة بئر السبع، وأنهى الثانوية العامة بالفرع العلمي من مدرسة شهداء رفح الثانوية عام 2005م.

كان متفوقاً في دراسته ومن أوائل الطلبة، التحق بجامعة الأقصى ودرس تخصص أنظمة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، وتخرّج من الجامعة بامتياز عام 2010م 

 وبالرغم من الأعباء الملقاة على عاتقه في العمل الجهادي، بدأ دراسة ماجستير الإدارة في جامعة الإسراء وكان يجهز لمناقشة رسالة الماجستير، وعينه صوب الدكتوراه.

تزوج زياد في العام 2011م، حيث رزقه الله حتى استشهاده باثنين من الأبناء (أحمد 3سنوات – تالا 10سنوات) حرص على تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة.

بكلماتٍ يصحبها ألم الفقد والوجع، يقول القيادي “بالجهاد” أحمد المدلل عن نجله الشهيد زياد: “لقد أحببت زياد حباً يجعلني طليق الدمع محزون القلب على فراقه، إلا أن قدر الله وحبنا لله وللرسول أعظم”

ويضيف:”زياد صاحب قلبٍ حنون، كان يطوف بين والديه كسباً لرضاهم، يعامل الجميل أفضل معاملة، خفيف الظل مع كل من عرفه ومحباً لأصحابه، هذه الصفات قربته بشكل كبير من الكثير من الناس”.


ويُتابع “كان زياد ينتشي فرحاً حين يرى طفلهُ “أحمد” يقلدهُ ويفعل مثل الذى كان يفعله فى صغره، وكم كنتُ أفرح حين أرى زياد يصعد من موقع لآخر، ويتقلّد المواقع المتقدمة نظراً لإتقانه لعمله باقتدارٍ منقطع النظير”.


امتلأ قلب “زياد” منذ الصغر بحب الجهاد في سبيل الله من أجل رفعة دين الله، وذلك بعد أن تفتحت عيونه على انتفاضة الحجارة الانتفاضة الأولى، فقد عاش طفولته في بيت مقاوم، شهد فيه اعتقال والده القيادي بالحركة “أبو طارق”، وعايش هموم اعتقال شقيقه الأكبر طارق والذي قضى أكثر من 14 عاماً في سجون العدو الصهيوني، كل هذه العناوين دفعت “زياد” للانخراط في صفوف الجهاد.

انتمى “أبو أحمد” لحركة الجهاد الإسلامي منذ نعومة أظفاره، ومنذ التحاقه اجتهد “زياد” في العمل الحركي والطلابي فكان من أبرز وأنشط طلاب الرابطة الإسلامية بمدينة رفح، وبذل كل ما يملك من جهد من أجل إنجاح العمل في مسجده ومنطقته ومدرسته وجامعته، فالكل يشهد لهُ أنهُ شاباً فاعلاً ونشيطاً وصبوراً وثابتاً.

انخرط “زياد” في صفوف سرايا القدس مطلع العام 2003م وعمل فيها جندياً مُخلصاً لدينه وعمله العسكري، فشهدت له كل الميادين.

تمتع “أبو أحمد” بسرية عالية جداً، كان كتوماً لأبعد الحدود، فكان يخفي الكثير حول طبيعة عمله، تدرّج في العمل العسكري وعمل في المجموعات العسكرية في “كتيبة يبنا” آنذاك، ثم انتقل للعمل في الوحدة الصاروخية ثم في وحدة الإعلام الحربي لسرايا القدس،  فكان ملازماً للشهيد القائد صلاح أبو حسنين “رحمه الله”.

كان زياد على موعد مع تنفيذ عملية استشهادية برفقة الاستشهادي فؤاد أبو هاشم عام 2004م، لكن حالت الأقدار أن لا تتم هذه العملية، فقد كان “أبو أحمد” مجاهداً شجاعاً يمضي بصلابة وثبات من أجل أن تمضي هذه الفكرة بجنودها الميامين نحو تحقيق العزة والكرامة.

تميّز الشهيد القائد زياد المدلل بامتلاكه فطنة وذكاء وعبقرية، وكان يتصرّف بمسؤولية كبيرة ونتيجة لذلك استفادت سرايا القدس من زياد كثيراً في المجالات التي تحتاج عقول لامعة، هذه الصفات جعلته محط اهتمام من قيادته.

تلقّى “أبو أحمد” العديد من الدورات الأمنية والعسكرية في الخارج، ثم انتقل القائد زياد المدلل ليكون معاوناً للأخ القائد خالد منصور عضو المجلس العسكري وقائد سرايا القدس في المنطقة الجنوبية.

وخلال مسيرته الجهادية الطويلة والمُشرّفة، شارك شهيدنا “أبو أحمد” في كافة المعارك التي خاضتها سرايا القدس، فكان دائم التواجد في الميدان بين إخوانه المجاهدين والقادة.



يستذكر القيادي “المدلل” مواقف دارت بينه وبين “زياد” دلت على صدق نيته وحبه للشهادة فقال لي: “سوف آتيك مقطعاً أشلاء” فحدث كما كان يرنو ويتمنّى، صدق زياد فصدقه الله واصطفاه شهيداً”.

وفي موقف آخر قال: “كان هناك عزاء لأقارب لنا في غزة وذهبنا بصحبة والدته لهذا العزاء، وعند عودتنا من المأتم قام الشهيد زياد بالنزول إلى السوبر ماركت وقام بشراء المكسرات والعديد من أصناف الشوكولاتة بشكل غريب ولا إرادي وقام بإطعام أمه”.

ويشير  والده “أبو طارق” إلى أن الشهيد زياد قبل استشهاده قام بتنظيف البيت وغسله وتعطيره ووضع بعض الشوكولاتة والحلوى على الطاولة، خلال الفترة التي ذهبت زوجته إلى بيت أهلها وكانت نظراته تُبنئ بقرب الرحيل.


كان أبو أحمد يدعو الله عز وجل دوماً أن يرزقه الله الشهادة في سبيله ليلتحق بركب الشهداء الأبطال، ارتقى شهيداً في معركة وحدة الساحات يوم السبت الموافق 2022/8/6م برفقة القائد خالد منصور والقائد رأفت الزاملي “شيخ العيد”، خلال استهداف الاحتلال لأحد المنازل في منطقة الشعوث في مدينة رفح.

استشهد زياد عظيماً شامخاً مرفوع الرأس في ساحة الشرف والبطولة، بعد أن تزينت به ساحات العز والجهاد وتشرف به الوطن الحبيب، ولم تنحنِ الراية التي رفعها وضحى بدمائه من أجلها .. سلاماً لروحك أبا أحمد.. ولقاؤنا في الخالدين بإذن الله.