الشهيد المجاهد علي محمد الأسطل: عشق الأرض فتجذّرت دمائه بترابها
الإعلام الحربي _ خاص
عاش الشهيد المجاهد علي محمد الأسطل “32” عاماً ، حياته يغازل الأرض بفأسه، ويروي ظمأها بقطرات عرقه البلورية المتساقطة من جبينه. فكانت الخضرة تداعبه بنسيم الهواء العليل الذي يلامس وجهه الطاهر لتضفي بهجة وجمالاً لا يعرفه إلا من عشق الأرض، وتجذرت عروقه في حبيبات ترابها.
البساطة والطيبة كانت السمة الغالبة على شخصيته المتدينة الملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي، فكثيراً ما كان يمضي جل وقته بين الخضرة يعد طعامه بنفسه من ثمار الأرض الناضجة، فيخرج من بين يديه أطيب الطعام وألذه، فيتناوله ورفاقه في العراء بين الكروم والأشجار، وهم يجلسون حول جذلة مشتعلة و”بكرج” الشاي.
لم يكن هناك حلم للشهيد “علي” إلا أن يلقى الله راضياً عنه، فكان يحرص على الصلاة في وقتها وقيام الليل، وصيام الاثنين والخميس من كل شهر.
المجاهد الزاهد
كان الحس الإسلامي لدى الشهيد “علي” يتكدس منذ الصغر، وذلك بفضل تردده على (مسجد الزهراء) في خان يونس، وبابتسامة فيها لمحة حزن تحدث والد الشهيد ” أبو علي ” لـ “الإعلام الحربي” قائلاً بصوت شاحب حزين :” كان نجلي علي زاهداً في الدنيا، حتى إنني بنيت له منزلاً لأجل أن أفرح به، لكنه كان دوماً يقول لي ( هذا ليس سكني، أنا لا أريد الزواج ولا أريد البيت، إنها حاجة الدنيا للدنيا، أما أنا فأريد الحياة الدائمة الباقية)”.
وتابع حديثه قائلاً: ” كنت أراه دائم الابتسامة والرضا على ما قسمه الله له من رزق، لا يتردد في تناول أي طعام تقدمه له والدته، على عكس شباب اليوم الذي يفرض على أمه أن تعمل له بعض أنواع الطعام الفارهة، مردداً كلمة الحمد والثناء لله على نعمته وفضله”، مؤكداً أن نجله “علي” كان يمضي الساعات الطويلة في عمله في حقل الزراعة دون أن يفكر بالطعام والشراب، الأمر الذي يدفع والده “أبو علي” شفقة على حاله وخوفاً عليه لسؤاله بالقول “أي نوع من البشر أنت، تعمل بلا كلل أو ملل ولا تفكر في الطعام والشراب …؟!”، فكان يجيبه بكل أدب وبابتسامة خافتة:” توكل على الله هيني جاي”.
ويكمل الوالد الصابر حديثه قائلاً :” لم أكن أتوقع أن نجلي يعمل في المقاومة، نظراً لانشغاله الدائم في زراعة الأرض، لكن عدم رغبته في الزواج رغم توفر كل الإمكانات له، جعلتني أتيقن إنني سأودعه في أي لحظة، لأن من يعيش على أرض فلسطين يجب أن يتوقع الشهادة في أي لحظة”، مؤكداً أن شعوره بأن نجله لن يبقى له؛ فكان يزداد يوماً بعد يوم نظراً لما كان يتمتع به نجله من أخلاق عالية، وتدين وتقرب إلى الله بالطاعات والعبادات، مناجياً إياه “الشهادة في سبيله” فمن أحب لقاء الله أحبه الله لقاءه.
ميلاده ونشأته
وتجدر الإشارة إلى أن الشهيد المجاهد علي محمد علي الأسطل، أبصر النور في منطقة السطر الغربي بمحافظة خان يونس بتاريخ 7-2-1982م. لأسرة فلسطينية أصيلة، فنشأ في بيت متدين ومحافظ، يتكون من والديه وثلاثة عشر فرداً سبع أخوات وستة أخوة، وكان الشهيد ترتيبه الأول في الأخوة.
علي .. توأم روحي
وبدوره أشاد شقيقه صالح بحسن خلق الشهيد “علي” وتأدبه وحرصه على أداء الصلوات الخمس في المسجد، حتى في أصعب الظروف، وخاصة عندما اشتد العدوان الصهيوني في معركة “البنيان المرصوص”، قائلاً :” اضطررنا في الأيام الأخيرة من الحرب المكوث في البيت، وعدم الخروج خشية من استهدافنا، لكن الشهيد علي كان يصر على الذهاب إلى المسجد والأذان فيه والصلاة فيه لوحده”، مؤكداً أن وجود منزلهم في منطقة زراعية كان يشكل خطراً كبيراً كل سكان المنطقة.
وتحدث صالح على العلاقة الوطيدة التي كانت تجمعه بشقيقه علي” رحمه الله”، الذي كان يحثه على الصلاة وقيام الليل وفعل الخير، مؤكداً أن استشهاد شقيقه الذي وصفه بتوأم روحه، شكل صدمة كبيرة انعكست على كافة تفاصيل حياته، ففي كل مكان يذهب إليه يرى صورة شقيقه وابتسامته، وترنو إلى أذنه كلماته التي تنم على مدى الإيمان والتوكل على الله عز وجل.
وقال صالح:” من الصعب جداً وصف شقيقي “علي” في كلمة أو كلمتين أو حتى في كتاب، فهو من تفتحت عيناي على رؤيته، وهو من تقاسمت معه الحياة وصعوبتها، ومن عشت معه طفولتي وشبابي، وهو الأخ الكبير الذي اعتبره بمثابة الأب حين أطلب النصيحة أو المساعدة”، سائلاً المولى -عز وجل- أن يتغمد الشهيد بواسع رحمته ويرزقه الفردوس الأعلى، وأن يرزقه ووالده الصبر والسلوان”.
رحلة جهاده
تعرف الشهيد علي الأسطل على خيار “الإيمان والوعي والثورة” من خلال المسجد، فكان التحاقه بـ (حركة الجهاد الإسلامي) في فلسطين عام 2004م، فكان الشهيد علي من أكثر الشباب التزاماً بحضور مجالس العلم والفكر والمشاركة في تشييع جثامين الشهداء، وفي كل مرة يسعى حثيثاً عبر بعض القنوات الضيقة للانضمام إلى صفوف سريا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فكان له ذلك عام 2006م، حيث تلقى بشكل سري عدة دورات عسكرية أهلته للعمل ضمن وحدة الرصد، ثم تم ترشيحه واختياره فيما بعد ليكون أحد مجاهدي الوحدة الصاروخية، نظراً لما كان يتميز به الشهيد من سرية عالية في العمل.
ويقول المجاهد في سرايا القدس “أبو خالد” حول ذلك:” كان الشهيد “علي” يتحلى بالسرية العالية والكتمان، وعدا عن ذلك كان دائم الاستعداد لتنفيذ أي مهمة تطلب منه، وفي أي وقت دون النظر إلى خطورتها”، مشيداً بجرأة وشجاعة الشهيد علي في تنفيذ المهمات الجهادية التي أوكلت إليه جميعها.
وتحدث أبو خالد عن مشاركة الشهيد إخوانه في الوحدة الصاروخية التابعة لسرايا القدس في تنفيذ عشرات المهمات الجهادية المتمثلة بدك المغتصبات الصهيونية بالصواريخ القدسية و صواريخ”جراد”، ورصد الحدود من مسافة قريبة جداً فكان نعم العين الساهرة لأجل الإسلام والوطن”.
قصـة الاستشهـاد
لم يكن للخوف مكان في قلب الشهيد علي الأسطل ، الذي عاش حياته طائعاً لله مقبلاً إليه بالطاعات والعبادات، ولم تكن المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق أبناء شعبه، والتي طالت خاله وأبناء خاله في مجزرة مروعة طالتهم، وعدد أخر من أبناء العائلة؛ لتثنيه عن مواصلة الطريق، بل كانت تمنحه قوة فوق قوته، وطاقة فوق طاقته، لبذل المزيد من الجهود والتفاني في التضحية لتلقين هذا العدو المتغطرس الدرس تلو الدرس، فكانت الصواريخ تنهمر على المغتصبات الصهيونية دون توقف، بوتيرة مرتفعة ومتزايدة ومتباعدة المدى كلما طال أمد الحرب، حيث واصل الشهيد المجاهد “علي” ورفاقه رشقهم للمغتصبات الصهيونية بمئات الصواريخ بصورة يومية حتى كان ارتقائه بعد تنفيذه مهمة إطلاق رشقة من الصواريخ القدسية نحو المغتصبات الصهيونية، حيث استهدفته طائرات الاستطلاع الصهيونية التي رصدته بأربعة صواريخ، في مساء يوم 26/7/2014م، الموافق 28 رمضان 1436هـــ، حيث أصيب في رأسه إصابة بالغة نقل على أثرها إلى مستشفى ناصر بخان يونس لتلقي العلاج، وهناك صعدت روحه إلى بارئها في ساعات الفجر الأولى.
ويسترسل والده أبو علي قائلاً:” لقد كان استشهاد ابني علي كالصاعقة التي حلت علي، لكني استقبلتها بصدر رحب وقلب صابر محتسب أجره على الله تعالى”، معرباً عن رضاه الكامل لما قام به نجله من عمل بطولي، سائلاً المولى عز وجل أن يجمعه وإياه في الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقاً”.