الشهيد نور غنيم
تقاوم والدة الشهيدين نور ومحمد غنيم نفسها لتستطيع التحدث مع من قدِم لتعزيتها بمنزلها في قرية برقين غرب جنين، ويغالبها التعب والحزن، ولا تقوى على الكلام وسط غرفة المعيشة يجلس عدد من قريباتها
في حين يلف المكان حزن كبير. تتقدم إحدى السيدات من “أم شادي” وتحاول إقناعها لتناول حبات تمر، ترفض وتقول: “طعمه مر يا الله.. لا أقدر على بلعه” وفقدت “أم شادي” أمس الخميس نجليها في الاشتباك
الاخير في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، واستشهد فيه 9 شبان بينهم نور (21 عاما) ومحمد (26 عاما) كما أصيب ثالثهما أحمد (36 عاما) وقد حاصرت القوات منزلا تحصّن فيه مجموعة من الشبان من بينهم
الشقيقان غنيم، قبل أن يتصل ضابط من المخابرات الإسرائيلية بأم شادي طالبا منها أن تقنع نجليها بتسليم نفسيهما تقول أم شادي “اتصلت على هاتف نور ولم يجب، وكررت الأمر مع محمد ورن هاتفه ولم يجب، فطلبت
من الموجودين بالمنزل أن يأخذوني إلى المخيم، وحين وصلت منعوني من الدخول” وفيما بعد فهمت ما حدث، فقد فتلوا الشبان بإلقاء القنابل على المنزل.
حسرة وألم
يشتد إعياء “أم شادي” وتطلب من ابنتها قياس ضغطها الذي بدا مرتفعا، تأخذ دواءها ثم تكمل حديثها “يا ليت خلوني أدخل المخيم وأحكي مع الأولاد،
ما بعرف كانوا رح يردوا عليّ ويسلموا حالهم أو لا، ما بعرف إذا كنت رح أغير شيئا، بس على الأقل كنت حاولت..”
وتضيف الأم الثكلى -بألم أشد- أن ابنها الثالث بالمستشفى في غيبوبة، ولا تصدق من يقول لها إنه بخير وتشير
“أم شادي” إلى أن ابنيها الشهيدان اعتادا أن يفعلا كل شيء معا، حتى صورهما كانت دائما معا “
عمرهما ما تصورا إلا مع بعضهما البعض.
الحزن يلف المكان
يلف الحزن منزل الشهيدين، وتحس بشيء من الوجع منذ دخولك المنزل، وتخاله بارداً رغم وجود جهاز تدفئة. تقول راضية غنيم (شقيقة الشهيدين) “كان البيت مليان وكله دفء بوجودهما، ولما راحوا فضي علينا، كانوا حناين
غيابهم صعب، الاثنين مع بعض كسروا ظهرنا” تصف راضية مشهد وداع أخويها الشهيدين، مؤكدة أن البيت امتلأ برائحتهما الزكية، وقد ظل دم نور ينزل طيلة وقت التشييع، حتى وُوري الثرى. تتساءل ودموعها تغالبها “أليست هذه كرامة؟”.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت أبو شادي (والد الشهيدين) قبل 10 أيام بعد اقتحام منزله في بلدة برقين وتضيف الأم أن أبو شادي لم يعلم باستشهاد نجليه إلا صباح اليوم، وقد كانت معنوياته عالية، رغم أنها لم تستطع أن تتحدث إليه من هو الصدمة.