الشهيد القسامي / عبد الله فايز فياض
القسام – خاص :
هناك بعض الأشخاص يتشرف الإنسان بمعرفتهم ويستفيد من رؤيتهم، خاصة إذا تعرف عليهم في ميدان الجهاد، فهم إخوان في الله تعيش معهم أجمل حياة، حياة فيها التعب والبذل والعطاء والإيثار والحب والإيمان، ومن هؤلاء أبو مالك رحمه الله.
نشأة فارس
ولد عبد الله فياض في خان يونس بتاريخ 14-1-1991م لعائلة طيبة من آل فياض، فعاش منذ نعومة أظفاره يرتاد المساجد ويتربى في حلقات القرآن الكريم، وفي مخيمات التحفيظ، وكان رحمه الله شاباً خلوقاً يحب الشباب ويحبونه، ويتفاعل معهم.
وفي داخل بيته كان مثالاً للبر بوالديه وحبهما وطاعتهما، حيث ركز رحمه الله في وصيته على بر الوالدين، وطلب منهما ملحاً أن يرضيا عنه، ويدعوا له بالقبول والجنة، وهو صاحب ابتسامة مرسومة على محياه، حتى عند استشهاده ، فقد رحل بها أبو مالك.
ومع إخوانه كان خفيف الظل صبوراً لطيفاً في المعاملة ذا روحٍ مرحة، يقضي معهم أجمل الأوقات ويتذكرون عنه أحلى الذكريات، ولا يغضب أحداً إلا كان حريصاً على إرضاءه، كيف لا وقد رشف هذه الأخلاق وصُبغ بهذه الصفات في بيوت الله.
درس أبو مالك المرحلة الأساسية في مدرسة الوكالة وكان متميزاً حاصلاً على أعلى الدرجات، وأما المرحلة الإعدادية فقد درسها في مدرسة عبد الله صيام، والمرحلة الثانوية في مدرسة القرارة الفرع العلمي، ثم التحق بكلية الشرطة وتخرج منها برتبة ملازم وتقدير “جيد جداً” وحاز على العديد من شهادات التفوق في الدنيا قبل أن يحصل على الشهادة الكبرى نسأل الله أن يكتبها له.
في ركب الدعوة
بدأ عبدالله منذ نعومة أظفاره في حلقات تحفيظ القرآن الكريم في مسجده، فكان من المتميزين والمحافظين على الصلوات في المسجد، وخاصة صلاة الفجر، وكان في العديد من الأيام يجلس في المسجد حتى الشروق، ويصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع.
وانضم أبو مالك إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، وشارك في أنشطتها وخاصة في الدعوة إلى الله وخصوصاً في الدعوة الفردية التي كان يمارسها ويجذب الشباب إلى بيوت الله تعالى وإلى حلقات القرآن الكريم.
وكان ملتزماً بجلساته الدعوية والاخوانية، ومما ينبغي ذكره أنه تأثر جداً بابن عمه الشهيد البطل: أمجد فياض رحمه الله الذي استشهد في عملية استشهادية.
ورغم عمله في الكلية الشرطية إلا أنه عمل في العديد من أجنحة الحركة مثل الكتلة الإسلامية وجهاز العمل الجماهيري، وفي الأسر المسجدية، وكانت له لمسة خاصة في العديد من الأنشطة والفعاليات في المسجد.
مجاهد قسامي
وبعد انتهاء عبد الله رحمة الله عليه من الثانوية العامة انضم إلى العمل في كتائب الشهيد عز الدين القسام بعد إلحاح ٍ منه، وكان هذا بعد حرب الفرقان مباشرة، وبدأ عبد الله طريق الجهاد في سبيل الله، هذا الطريق الذي لا يدخله إلا الصادقون الذين يريدون عزة المسلمين، ورفع راية التوحيد، والذين يودون تقديم أرواحهم من أجل ذلك.
بدأ البطل يرابط على الحدود ويحرص على أيام رباطه التي كان يحبها ويقول: “أسعد أيام حياتي وأنا مرابط”، وكان يبادر إذا اعتذر أحد من المجاهدين عن الرباط لظروف طارئة فيرابط عنه، هذا بالإضافة إلى عمله المميز في حفر الأنفاق القسامية التي أذاقت بفضل الله العدو مر العذاب وكان نشيطاً جداً ويتمتع بقدرة عالية من الذكاء، والروح العسكرية بارزة عليه، فانضم إلى العمل في وحدة الاسناد، وكان يعمل في وحدة الاستشهاديين، وعمل أمير زمرةٍ في إحدى المجموعات ثم ترقى حتى أصبح أمير وحدة الإسناد في سرية القرارة.
هذا كله وهو يعمل في الشرطة، ومما يُذكر عن عمله في الشرطة أنه كان يحاول جاهداً حل المتخاصمين قبل إدخالهم السجن. أضف إلى ذلك أخلاقه في كل أعماله وابتسامته وتقبله لأعذار الآخرين وإيثاره وأخلاقه الجهادية والعسكرية، فقد كان هادئاً كتوماً واجتماعياً ممتازاً حيث أن له علاقات وأصدقاء على مستوى خان يونس.
وتمتع عبد الله رحمه الله بلياقة عالية فقد حصل على تقدير ممتاز في الدورة المبتدئة والمتوسطة التي خاضها في تخصص المشاة، وفي فترة الإعداد شارك أبو مالك في العمل الأنفاق .
وقبل استشهاده بثلاثة أشهر جاء عبد الله لأمه رافعاً ثلاثةُ من أصابعه ولم تفهم الأم المباركة حفظها الله ماذا يقصد؟ فأخبرها أنها الشهور الثلاثة الباقية لتحقيق حلمه بالشهادة، وهي لا تعلم كيف علم ذلك، هل برؤيا أم غير ذلك.
وكانت الحرب في شهر رمضان المبارك، وكان يذهب في أول أيام الحرب لصلاة التراويح خلف الشهيد عبد الرحمن المغربي رحمه الله، واشتد التزامه في المسجد ومحافظته على ورده القرآني، وعند الإفطار كان له خلوة خاصة مع نفسه يدعو الله عز وجل بالشهادة.
وفي أول أيام حرب العصف المأكول شارك رحمه الله في عملية قنص الجندي في منطقة الغوافير وذهب مرتين إلى منطقة الالتحام المباشر مع اليهود في حارة آل فياض ليشتبك مع القوات الصهيونية ولكن الله لم يقدر له ذلك.
على موعد
29-7-2014م، جاء اليوم الذي أراد الله فيه أن يرحل هذا البطل إلى حياة السعداء بإذن الله، وبعد صلاة الفجر قُصف المكان الذي كان متواجداً فيه ليستشهد أبو مالك مع اثنين من اخوانه وهما: إبراهيم الأسطل وصهيب سلامة، وجاءته الشهادة التي تحدث بها دائماً واشتاق إليها، ورحل أبو مالك رافعاً أصبع السبابة، وقد تصلبت يداه على ذلك..
فرحم الله أبو مالك وأسكنه فسيح جناته وتقبله في الشهداء..