الشهيد المجاهد: أحمد محمود المجايدة
الإعلام الحربي – خاص
“عشقه للجهاد وإيمانه بالله كانا دافعاً قوياً لامتشاق البندقية والدفاع عن أبناء شعبه وكرامة أمته المترامية الأطراف من هذا العدو المتغطرس الذي لا يتوانى عن قتل الأطفال والشيوخ وقتل كل معاني الحياة”، بتلك الكلمات بدأ والد الشهيد المجاهد أحمد، الحاج محمود المجايدة “أبو بشار”، حديثه لـ “الإعلام الحربي” الذي كان في ضيافة عائلة الشهيد بمنزلها الواقع في منطقة جورة العقاد بخان يونس.
وأكمل الوالد الصابر حديثه:” منذ عودتنا إلى ارض فلسطين، حرص على نيل الشهادة في سبيل الله، رغم رفضي كوالد يخشى على أبنائه، ويتمنى لهم حياة مديدة، كان إصراره أقوى من كل محاولاتي التي باءت بالفشل وتكسرت أمام صلابة حجته على مواصلة طريق ذات الشوكة”، مشيداً بما كان يتمتع به نجله من أخلاق عالية وتدين منقطع نظير ، وقدرة عجيبة على الإقناع والحوار، الأمر الذي جعل كافة التنظيمات حريصة على ضمه إلى صفوفها، إلى أنه اختار طريق “الوعي، والإيمان، والثورة”، طريق الشهيد المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي وكل الشهداء العظام.
وأشاد أبو بشار بما كان يتمتع به نجله من سرية في العمل، حيث انه وكافة أسرته تفاجئوا حين علموا من رفاقه طبيعة عمله الجهادي البطولي، كقائد ميداني في وحدة الدروع ومسئول وحدة التدريب في كتيبة المعسكر، مؤكداً فخره واعتزازه بعمل ابنه البطولي في مواجهة أعداء الله، ورضاه التام بما قدره الله له من خير، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبله مع الشهداء والصديقين.
فقدت مهجة قلبي
أما الوالدة الملكومة، أم بشار، فأكدت على عمق العلاقة التي كانت تربطها بفلذة كبدها، قائلةً :”منذ كان جنين في أحشائي تعرض لعدة أمور جعلتنا في حالة قلق دائم عليه، حيث إنني اضطررت لإجراء عملية جراحية كدت فيها أن افقده لولا عناية الله وفضله، الذي ادخره لهذا اليوم العظيم الذي قدمته فيه شهيداً بإذن الله”، مؤكدةً أنه منذ كان طفلاً كان مميزاً عن كافة أقرانه، حيث كان يحرص على قراءة القرآن والصلاة في وقتها، وممارسة بعض الألعاب العلمية التي تنم على ما مستقبل باهر له، الأمر الذي جعلنا حريصين على ثقل هذه الموهبة من خلال الاهتمام به وتوفير كل ما يحتاجه من أدوات علمية.
ولفتت أم بشار التي كانت تتطلع على جزء من حياة نجلها الجهادية، قائلة:” أحمد لم يكن يفصح لي عن طبيعة عمله، فكثيراً من الأحيان كان يخبئ ملابسه العسكرية بعيداً عن أعيننا، ولكن كنت من ورائه أقوم بغسلها وكيها وإعادتها إلى نفس المكان دون أن أشعره بشيء”، مضيفةً إلى أنها كثيراً ما كانت تنتظره طوال الليل لحتى عودته من الرباط على الثغور، وهي تمكث تصلي وتدعو الله أن يوفقه ورفاقه ويعيدهم سالمين غانمين.
أما عن لحظة استقبالها نبأ استشهاده، فأوضحت الأم الصابرة المحتسبة، أنها طلبت من النساء حين وصول جثمان نجلها محمول على أكتاف الرجال عدم البكاء والعويل، بل إطلاق الزغاريد ونثر الرز والورود، لأنه يوم زفاف نجلها إلى حور العين، سائلةً المولى عز وجل أن يتقبله مع الشهداء والصديقين وان يرزقها وأهله وإخوانه الصبر والاحتساب.
وفي مداخلة لعمه أبو عبد المجيد، أشاد بما كان يتمتع الشهيد من روح مرحة، وأخلاق عالية، والتزام منقطع النظير، وقلب طيب رقيق، مؤكداً أن جنازته كانت خفيفة وسريعة مما يدلل على قبوله عند الله، بالإضافة إلى الرؤى الحسنة التي رآها بعض الصالحين له ، التي تؤكد بلوغ منزلة الشهداء في الجنة.
أخُ ليس من زمننا
فيما أكد شقيقه محمد أنه باستشهاد أخيه احمد فقد ركن كبير كان يعتمد عليه في كل شيء، مشيراً إلى سجل حياتهم الحافل بالمواقف والأحداث التي يصعب سردها، التي تدلل على عظم أخلاق الشهيد وتعلقه بالله في كل شيء، قائلاً :” للأمانة كنت كثيراً ما اشعر أنني أعيش مع شقيق ليس من زمننا بل من زمن نحن إليه، وإنني سأفتقده يوما “، مؤكداً فخره واعتزازه بما قام به شقيقه من عمل بطولي ضد أعداء الله والإنسانية اليهود قتلة الأنبياء والأطفال والشيوخ والنساء.
الميلاد والنشأة
ولد الشهيد المجاهد “أحمد محمود المجايدة ” في “الإمارات” بتاريخ 1 / 10 / 1989م، ونشأ في كنف أسرة بسيطة مؤمنة بالله، تتكون من والديه وأربعة من الأبناء، واثنتين من البنات، وشاء الله له أن يكون ترتيبه الثالث.
درس الشهيد “احمد المجايدة” المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس “الإمارات” عام 2006م، وكان من الأوائل في كافة المراحل التي درسها حيث لازالت أسرته تحتفظ بشهادات التقدير التي كان يحصل عليها نهاية كل سنة دراسية، وبعد عودة أسرته إلى ارض الوطن واستقرارها في مدينة خان يونس الباسلة حيث تسكن عائلتهم وتمتد جذورها، حيث أكمل دراسته للمرحلة الثانوية من مدرسة هارون الرشيد بخان يونس عام 2009م، وأنهاها بنجاح بتقدير جيد، ومن ثم التحق بكلية العلوم والتكنولوجيا تخصص مراقبة صحية حيث أنهى دراسته بتقدير جيد، ثم عمل متطوعاً لبعض الوقت في بلدية خان يونس.
صفاته وعلاقاته بالآخرين
ارتبط شهيدنا المجاهد “أحمد” بعلاقات ممتازة مع أسرته، فكان محباً للجميع، ومحبوباً من الجميع. ويقول صديقه منتصر:” الشهيد أحمد كان إنساناً عظيماً طيب النفس، هادئاً، محباً لأصدقائه، بسيطاً ومتسامحاً، حنوناً رحيماً بمن هو أصغر منه، وكان دائم الزيارة لأهالي الشهداء والأسرى والجرحى”، مؤكداً انه باستشهاد “أحمد” فقد أخ وصديق ورفيق ستظل ذاكرته حيةً متقدةً في وجدان كل من عرفه. وعرف الشهيد احمد ببره بوالديه، حيث كان مطيعاً لهما ومقرباً منهما. ومتميزاً بعلاقته لهما، يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، مما جعله أحب الأبناء إلى قلبهم، بالإضافة إلى انه اتصف بالزهد في هذه الدنيا الفانية طامعاً في جنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين، كما كان يتمتع بروح المرح والدعابة وكانت الابتسامة لا تفارق وجهه لرضاه التام بما قسمه الله له من خير.
مشواره الجهادي
عشق الشهيد “أحمد” فلسطين وعشق الجهاد حتى باتت فلسطين وتحريرها كل أمانيه وكل مطلبه في الحياة. فالتحق بداية الأمر بالرابطة الإسلامية (الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي) في بداية عام 2003م حيث كان الشهيد يدرس في المرحلة الثانوية، والمرحلة الجامعية في كلية العلوم والتكنولوجيا، وشارك في كثير من النشاطات الطلابية الخاصة بالرابطة الإسلامية.
وما هي إلا فترة وجيزة حتى التحق بالخيار الأمل والركب الطاهر إلى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عام 2004م بعد تأثره بأخلاق إخوانه في حركة الجهاد الإسلامي. فكان حريصاً على المشاركة في كافة الفعاليات والنشاطات والمناسبات الحركية في انتفاضة الأقصى المباركة، فكان أحد الأعضاء الأساسيين في أسرة مسجد الهدى، حيث يعقد فيه الندوات الدينية التي تتحدث عن فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله.
واصل الشهيد المجايدة عمله الجهادي حتى كان انخراطه في صفوف سرايا القدس عام 2009م، حيث تلقى العديد من الدورات العسكرية، فكان نعم المجاهد النجيب، فتم إلحاقه بوحدة الدروع، وأمام ما أبداه الشهيد من تفوق لفت أنظار قادة سرايا القدس، تم تكليفه لتدريب إخوانه المجاهدين في كتيبة المعسكر على سلاح الدروع، وخاصة سلاح “R.B.G”.
ويسجل لشهيدنا مشاركته إخوانه في الرباط على الثغور، حيث كان أميراً لأحد المجموعات، فكان رحمه الله يتصف بصفة الحلم والشجاعة والإقدام، كما يصفه رفيقه المجاهد “أبو حمزة” .
وحول دور الشهيد “احمد المجايدة” في معركة “البنيان المرصوص”، أكد أبو حمزة أن الشهيد أحمد تقدم الصفوف الأولى لمواجهة قوات الاحتلال الصهيوني، مشيراً إلى دور الشهيد في استهداف القوات الصهيونية المتوغلة في منطقة القرارة بعشرات قذائف الهاون، إلى جانب استهدافها بعدة قذائف “R.B.G”.
استشهاده
لقد كان شهيدنا (أحمد) تواقًا للشهادة وإلى لقاء الله ورسوله الأعظم، فأحب الشهادة بصدق وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فكان الموعد في يوم 30 / 7 / 2014م، حيث استشهد متأثراً بجراحه بعد استهدافه بصاروخ استطلاع ليرتقي برفقته الشهيد المجاهد فهد الأغا إلى علياء المجد مع الشهداء والصديقين، رحمك الله يا “أحمد” وكل الشهداء وأسكنكم فسيح جناته.